جان كورد – 24 حزيران، 2013
(ن، والقلم وما يسطرون)
قد يسأل أحدنا عن دور المثقف الكردي في الثورة السورية أو فيما يجري اليوم على الساحة الكردية كجزءٍ لا يتجزأ من هذه الثورة، فيأتيه الجواب حالاً: ” ألا تراهم قد اجتمعوا في عاصمة إقليم جنوب كردستان (هه ولير) منذ أيام، وقرروا ما قرروا فيما بينهم، ووعدوا بأن تتوسع حلقات الاجتماعات واللقاءات حتى يصبح لهم شأن كما لتنسيقيات الشباب من وزنٍ في ميزان القوى الكردية.”
ولكن قد يرفع أحدنا يده ويطرح سؤالاً كهذا: “أنا مثقف من غرب كردستان وليس لي علم باجتماعٍ مثل هذا!!!” فينظر إليه سواه مستغرباً وهو يجاوبه بسؤالٍ أهم:” مثقف؟ منذ متى أنت مثقف؟ ألا تعلم أن للمثقف صفات وطبائع ومواقع ومواقف ونتاجات ومقاربات و… و… و…”
وهكذا نجد أنفسنا في مطحنة كبيرة مليئة بخليط من الأسئلة والأجوبة التي تعيق مشاهدتنا ومتابعتنا للمسلسل الحقيقي والمأساوي الذي تعرض حلقاته المليئة بالشجون والأحزان على ساحة المربعات والدوائر والمكعبات السياسية الكردية، منذ اندلاع الثورة السورية المجيدة وإلى الآن.
وعليه، يجب أن نجيب عن هذه الأسئلة بجرأة حتى ننتقل إلى مستوى أعلى في نقاشاتنا حول ما علينا القيام به للمساهمة في تخفيف وطأة الظلال المرهقة على كاهل شعبنا المظلوم:
– من هو المثقف؟
– ما طبيعة المثقف؟
– ما موقع المثقف في الثورة السورية (ولنقل في مرحلة “تحرير غرب كردستان!” هذه!)
– ما إمكانات المثقف؟
– ماذا يريد المثقف من التنظيم السياسي الكردي، ومن قادة الثورة السورية؟
– ما نقاط الضعف في المربع الثقافي الكردي؟
– ماذا يريد التنظيم السياسي الكردي، وزعماء الثورة السورية من المثقف الكردي؟
– ماذا أراد اجتماع هه ولير تحقيقه؟ ولماذا جمع عدداً قليلاً من مثقفي غرب كردستان؟
أعتقد بأن الإجابة عن هذه الأسئلة تقع على عاتق مختلف المثقفين والسياسيين والناشطين، ما خلا السؤال الأخير الذي يجب توجيهه إلى الفئة الداعية لذلك الاجتماع ومن وراءها من ممولين صرفوا مشكورين من وقتهم ومن مالهم لأهدافٍ لا نعلمها تماماً.
لا أريد فرض آرائي وطرح إجاباتي عن هذه الأسئلة الآن، بل أفسح المجال في ذلك للإخوة والأخوات الكرد الذين يهمهم أمر الثقافة القومية والشأن السياسي الوطني، وهم منشغلون في معظم أوقاتهم بتتبع أخبار الساعة في كل ما يتعلق بالكرد وغرب كردستان وإلى حدٍ كبير بما يحدث على ساحة الثورة السورية من جرائم متتالية بحق الشعب السوري وضد الإنسانية عموماً.
برأيي، المثقف الكردي أضعف، كفردٍ من أفراد هذا الشعب، وكفئة من فئاته المستنيرة، من أن يلعب دور اً قيادياً بعد خراب البصرة في “تحرير غرب كردستان” أو في إدارة الثورة السورية، على مستوى المربع الكردي، حيث هناك الأحزاب التي تطحن بعضها بعضاً بأساليب سياسية رديئة، وتقصي بعضها من هنا وهناك، بل تقتل من بعضها بعضاً موالين وأعضاء، وحيث هناك المافيات المسلحة، والفرق الأمنية (آسايش) بعربات الدفع الرباعي من انتاج مصانع كرداغ المخفية تحت الأرض، والتي عليها رشاشات ديكتاروف ولافروف وترفرف عليها رايات أنجولا وليتوانيا، المعدة سلفاً لقنص وسحق كل تجار “الحشيش السوري” في شمال البلاد، وبخاصة حشيش “أبو الذقن” المشهور بتنقلاته بين ( روخاريا وعفريت ) وبين (باب المندب وتل غزالة وعامودا)…
المثقف الكردي لا يستطيع الانخراط في التظاهرات وفي الهجمات على المطارات لأنه لا يملك تنسيقيات مثل ما يمتلكه الشباب، والمثقف الكردي لا يملك الأموال المنقولة وغير المنقولة ليؤسس بها “مؤسسة الفكر الكردي” أو أي حاضنة من حاضنات الثقافة القومية، فهو قادم من البراري وزائل بلا أثر سياسي فعال، حيث أثمان بيع كل الكتب التي نشرها لا تتجاوز المبلغ الكافي لتغطية مصاريف طبعها، وبخاصة فإن الذين يقرؤون الكتب الكردية أقل عدداً ممن يقرؤون بأي لغة منقرضة في العالم.
عزف المثقف الكردي على أوتار قيثارته الحركية مقطع قصير الأمد من مقاطع سيمفونية الحراك السياسي – الإجتماعي الكردي العام، وهو عالة مالية على أسرته إن تفرغ للكتابة، ومجهول حتى بين زملائه المثقفين أنفسهم، حين ينثر بعض الأثرياء دريهمات لكسبهم إلى صفوف جنده الثوار الذين يتقاضى عليهم “دفاتر” دولاراتية.
ولكن رغم هذا المعروف عن هؤلاء المستضعفين في الأرض الكردية، فالمثقف له دور وإمكانات ومواقف ومداخلات ومشاعر وتساؤلات، وقد قال أحد مجانين الشهرة السياسية يوماً بأنه عندما يلتقي بمثقف فإنه يتلمس مسدسه، وقال امبراطور مشهور بأنه يخاف صرير الأقلام أكثر من دوي المدافع، وكانت المدافع في عصره أهم الأسلحة التي ابتكرها العقل البشري واشدها فتكاً على الإطلاق، بل إن الله تعالى قد أقسم بالقلم في القرآن المجيد “بعد التعويذ والبسملة”: ((ن، والقلم وما يسطرون))، فلماذا خوف السياسيون والأباطرة من قلم المثقفين، إن لم يكن لهم تأثير في الشارع المدني؟ ولماذا يقسم رب العالمين بالقلم إن لم يكن مهماً…
في شتى أنحاء العالم غير المتحضر، يعاقب المثقفون عقاباً شديداً لحشرهم أنوفهم في مطبخ السياسة أو الدين، وحتى في البلدان المتقدمة يلاحق الذين ينشرون “الغسيل الوسخ” لحكوماتهم و”أسايشاتهم” وشلة سارقي خبز شعوبهم وبائعي قضاياهم المقدسة في سوق النخاسة ومن أجل مصلحة زعاماتهم، مثلما حدث لصاحب ويكيليكس ويحدث الآن لمن نشر أسرار مراقبة الحكومة الأمريكية لاتصالات مواطني بلادها وضيوفها، ومن المثقفين من يتم منحه جائزة نوبل للسلام وللحريات والحقوق، وهو في ظلام السجن في زنزانة انفرادية، ويلقى بذلك احترام البشر في كل مكان على هذه الأرض، ولذلك فإن معالجة مشاكل المثقفين الكرد والمداخلة بصدد ما يناقشونه، فرادى وجماعات، يجب أن يلقى منا جميعاً قليلاً من الاحترام، إن لم نتمكن من دعمهم ومؤازرتهم فيما يفعلونه ثقافياً وسياسياً ويكتبونه ويقولونه من وجهات نظرهم المختلفة بالتأكيد عن وجهات نظر غيرهم من البشر… ويستثنى منهم بالطبع من يبيع نفسه وكرامته وثقافته مقابل نيل ثناءٍ من أهل الحل والعقد، أياً كانوا ومهما كان جبل الكتب التي كتبوها شاهقاً، إذ أن رسالة المثقف هي عدم المساومة مع السياسيين ومستغلي الأديان وأصحاب السلطان الذين يركبون ظهور البشر ويتابعون استبدادهم واستغلالهم لمن دونهم بأي ثمنٍ كان، ومن ذلك الثمن الاضطرار لشراء بعض المثقفين وتسخيرهم كخدامٍ إعلاميين لهم كما فعلت بعض أحزابنا الطليعية التي تعرف كل شيء أفضل من الشعب، وكل ما تقوم به من سياسات صحيحة بانحرافاتها وتقلباتها وتوريطها شعبنا وقواه السياسية ومثقفيه في ورطة بعد ورطة…
50.747860
7.048770