الكورد بين المؤامرة والمغامرة 

 جان كورد– السليمانية / ‏25‏ شباط‏، 2014

سألني أحد معارفي عما إذا كانت قيادات الحركة الوطنية الكردية السورية التي بنت لها أعشاشاً دافئة في عاصمة إقليم جنوب كوردستان خائفة من العودة إلى الوطن، أم أنها اختارت السهل الممتع عوضاً عن الصعب المؤلم، فقلت:” هذه القيادات تتألف من أفرادٍ ذوي لحم ودم، مثلك ومثلي، وهيتخاف من العودة لأن هذا شيء طبيعي وإنساني، ففي سوريا اليوم لاتدري ماسيحدث لك، في حال ممارستك السياسة والإعلام في هذه الأجواء المحتقنة والدامية، وبعضها يعتقد أن ما يقوم به اليوم من واجباتٍ حزبية وسياسية هنا في (هولير) أهم من كل واجبٍ آخر، والبعض الآخر يدرك تماماً أنه هارب من ساحة النضال الحقيقية ويتشبث بسنام الجمل الراكض، لايريد الاعتراف بأن كل ما في الداخل السوري أهم مما تقوم به هذه القيادات هنا 

 فسألني سؤالاً آخر لم أدرِ كيف أجيب عنه، إذ قال:” وممَ تخاف هذه القيادات؟ فإن غرب كوردستان “محرر”، و”ثورة الأمة الديموقراطية!” قد نجحت وحققت أهدافها بأن أعلنت عن قيام “كانتونات” ذاتية في الجزيرة وكوباني (عين العرب) وكورداغ (جبل الأكراد)، وفيها الحريات السياسية والإعلامية مكفولة والأمن مستتب وكل ما يقوم به المرء من أعمال مسموح…!!!  فحاولت الإجابة ولكني بنفسي كنت غير مقتنعٍ باجاباتي تلك، ومنها أن الحرية والتحرير ليس مجرد وضع سيطرات مسلحة ورفع رايات على الطرقات، وجمع أتاوات وتجنيد قاصرات، وإنما تحرير الإنسان من سلاسل الاضطهاد والظلم وكبت الحريات العامة والخاصة، وأن يقول رأيه دون خوفٍ من أحد ونشره بالشكل الإعلامي الذي يريده دون قيودٍ أو إشارات طريق يضعها الرقيب السياسي لهذا الحزب أو ذاك. فهل تحقق هذا؟ فقال:” ليس بالشكل الذي تريده.” وقلت:” أنت تتحدث عن نجاح ثورة الأمة الديموقراطية، وأنا أقول لك:”قبل كل شيء هذا المصطلح غير واقعي، فالأمم كلها تحب الديموقراطية ولكن كل الأمم معرضة لأن يستبد بها طاغوت، ولو كانت الأمة ديموقراطية لما تمكن أحد من السيطرة على مصيرها أبداً، واليونان هم أقدم الأمم في الحياة الديموقراطية ومع ذلك لايقول اليوناني عن نفسه أنه من “أمة ديمقراطية.” فدع عنك هذه المصطلحات الخيالية. أما عن الكانتونات وتحريرها، فكيف تحاول اقناعي بالثورة التي فجرتها وهندستها وبنتها، ولايزال ظل النظام يغطي مساحةً واسعة من أكبر مدينة في غرب كوردستان، وهي القامشلي التي كان من المفترض أن تكون “عاصمة الأمة الديموقراطية المحررة!”، فأين حدثت ثورة الحرية ومتى حرر “الشباب” الثكنات العسكرية ومتى حرقوا سجلات العار للدوائر الأمنية في غرب كوردستان، أم أن الأمر لم يكن سوى “تسليم واستلام” بدون ايصالات؟ فالثورات لها تعاريف ومسارات ونتائـج. وإن قادة “الشباب الديموقراطي!” لاينكرون وجود النظام الأمني في أهم مدننا، ويعتبرونه أمراً ثانوياً أو جزءاً من ثورتهم، فكيف يسمح هذا النظام الأمني بوجود عشرات الألوف من المقاتلين الكورد ولايهاجمهم البتة؟ فلماذا لم يسقط برميل متفجر واحد على مقرات “الشباب الثائر المحرر” حتى الآن؟ وإن حدثت معارك صغيرة هنا وهناك، فهذا ليس بقتال ثوار ضد نظامٍ دكتاتوري – كما أعتقد – لأن الحرب بين طرفين متناقضين تكون شاملة ومدمرة ولا تهاون فيها، فأنظر إلى ما فعله النظام الدكتاتوري في حمص وحماه وادلب وجنوب سوريا والعاصمة دمشق وحلب ودير الزور… الثورات لا تعرف المثاليات ولا الهدنات ولا المهادنات وهي تقضي قبل كل شيء على كل ما هو للنظام السائد المستبد… هكذا كان في التاريخ كله… ووجود تمثال حافظ الأسد الذي أسس هذا النظام في شوارع أهم المدن الكردية يعني أن الثورة لم تمر من تلك الشوارع والساحات بعد  

ومن الفضائح السياسية الكبرى أن يعلن أصحاب “ثورة الأمة الديموقراطية” أنفسهم على الملأ عن تواجد النظام الأمني الأسدي في غرب كوردستان، ومطالبتهم الأحزاب الكردية الأخرى غير المتفقة معهم فيما يفعلونه وغير المنضوية تحت لوائهم، بأن يأتوا ليحاربوا النظام، إن كانوا يريدون ذلك، والكانتونيون مستعدون للمشاركة في ذلك… فالسؤال هو: هل تستطيعون اقناع الشباب المقاتل تحت أمرتكم بأنكم طلبتموهم للدفاع عن “سياسة مهادنة النظام!” أم للثورة والتحرير والقتال من أجل حرية الشعب وتحرير البلاد من دنس الذين ارتكبوا كل أصناف الاضطهاد ضد شعبهم؟  وهل عملياتكم القتالية في قرى عربية خالصة من الناحية الديموغرافية تتم لانجاز تحرير غرب كوردستان أم خدمة مجانية للنظام الذي يسعى لتوسيع الشق بين القوميات السورية؟  

وأقول بصراحة:”إن لم تكن هذه الكانتونات مؤامرة مدبرة، ومخطط لها بالاتفاق مع النظام، وآمل أن لاتكون كذلك، فإنها مغامرة كبيرة، لأنها لم تؤسس بالاتفاق مع أقطاب المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية، أو مع الفصائل المقاتلة على الساحة السورية، أو مع المجتمع الدولي، أو مع أهم فصائل الحركة الوطنية الكوردية التي كان لها “اتفاق” مع أصحاب هذه الكانتونات سمي ب”الهيئة الكوردية العليا” التي لم يبق منها عملياً سوى الذكريات.  والمغامرات تعود في معظم الأحيان بالخسائر الجسيمة على الشعب الذي يتم الحديث كثيراً باسمه وعلى لسانه، ولكنه في الحقيقة محروم تماماً من حق ابداء رأيه في الشؤون المتعلقة بمصيره

لقد أعلن “المحررون الترك!” عن قيام جمهورية تركية في شمال قبرص، ووضعوا كل امكاناتهم العسكرية في خدمة بقاء ذلك الكيان، إلا أن المجتمع الدولي لم يعترف به والقبارصة اليونان لم يتفقوا مع القبارصة الأتراك، فماذا حدث منذ ذلك الحين؟

كما أن صدام حسين قد أعلن عن “حكم ذاتي” للشعب الكردي في “شمال العراق” لم يحظى بموافقة غالبية الشعب الكردي في جنوب كوردستان، فانهار مشروعه وجلب الخسائر الكبيرة للعراق عرباً وكورداً وأقليات… وإن لإخوتنا في شمال كوردستان تجارب مريرة منها “حكومة بوتان” و”جمهورية الزاب” فهل يخبرنا أحد الشباب عما جرى لهذين الكيانين اللذين سال من أجلهما دم        الكردي أعواماً طويلة ومريرة؟  

كنا جميعاً نتحدث عن “شعب كردي له حقوق قومية في سوريا” فصرنا الآن مقسمين على “محميات” تحت قوة السلاح، لاندري من أين تأتي الأوامر لها، من جبل قنديل أم من دمشق أم من قيادة  حزب الاتحاد الديموقراطي؟ فهل هناك من يسعفنا في معرفة الآمر الناهي لهذه القانتونات “الفانتومات” المثيرة للدعابة

يقول لي محدثي:” كيف تتحدث هكذا بجرأة عن قوة قتالية وسياسية عظيمة؟” فقلت:”الآن ذكرت لي بأن غرب كوردستان محرر!” أي أنني أستطيع التعبير عن أفكاري وآرائي بصدد هذا الإنجاز العظيم ونشرها بحرية.” فأجاب الرجل المتفائل:”نعم…” فقلت:”صدقني يا عزيزي نحن نخاف هذه الحرية وحماتها على بعد آلاف الكيلومترات من أماكن تواجد سيطراتهم، ولا نجد أي مجال في كل وسائل إعلامهم لقول كلمة واحدة معارضة، فأي حرية تتشدق بها أمامي؟ وكيف تطلب من قيادات الأحزاب الكردية المعارضة العودة إلى بلاد القانتون، وهي تمارس السياسة وليس مجرد تدوين مقالات أو بلوغات انترنتية مثلنا، ولا تدري حقاً ماذا سيحدث لأفرادها غداً في مدننا التي لاتزال يتحرك فيها عسس المجرمين الدمويين الحاكمين ولا تزال في انتظار شروق شمس الحرية الحقيقية؟ هذه الحرية التي تتمثل في الاعتراف بالوجود القومي لشعبنا الكردي وبحقه في إدارة ذاته فيدرالياً ضمن سوريا حرة، ديموقراطية، تتسع لجميع مكوناتها القومية والدينية دون اقصاء أو استثناء   

حزب الاتحاد الديموقراطي واجتياز الخط الأحمر

 

تقول المادة الثالثة من القانون الصادر في 17/4/2011 لتنظيم عمل الاحزاب السياسية في ظل الكانتونات التي شكلها حزب الاتحاد الديموقراطي: “تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب والسلم الاجتماعي والأمة الديمقراطية والحفاظ على مكاسب الشعب. وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية على تنظيم المواطنين وتمثيلهم سياسيا.”

أنا شخصياً لا أعترف بهذه الكانتونات التي جاءت ترضيةً لسياسات لا علاقة لها بالشعب الكوردي لا من قريبٍ ولا من بعيد، بل أراها مؤامرةً أخرى من المؤامرات على شعبنا وقضيته القومية، ولذلك لم أتعرّض في مقالاتي حتى الآن إلى فحوى ما يصدر من هذه الإدارات المشبوهة من قراراتٍ وبياناتٍ و بيانات، ولا أجد نفسي ملزماً بقبول واقعٍ لا أعترف به ولا يتناسب وحقيقة وجود شعبي الكوردي مهما كان شديد الوطأة، مثلما لم أعترف بسلطة حزب البعث العنصري التي أنكرت وجود شعبي عقوداً طويلة من الزمن، وطالما لم يتم إنشاء هذه الكيانات (وهي هزيلة حقا) من قبل الشعب الكوردي عن طريق ممارسته لحقه في تقرير مصيره أولاً حسب القانون الدولي في هذا المجال وعبر انتخابات ديموقراطية نزيهة تحت مراقبة منظمات دولية مشهودٍ لها بالإشراف والتقييم

ولكن يبدو أن واضعي قانون الأحزاب السياسية في هذه الكانتونات قد خرقوا كل حدود المنطق والعقل والواقعية، ففي الوقت الذي يطالبون الأحزاب الكوردية “السورية” وغير “السورية” للقتال معهم ضد حركة داعش  وسواها من المنظمات الإرهابية المشكوك بأمرها، من حيث العلاقة السرية مع النظام، فإن هؤلاء يستمرون بوضع هذه المادة في مشروعهم “القانوني” في انكار الوجود القومي الطبيعي والواقعي لشعبنا في غرب كوردستان، ولا يتركون أي مجال لمساهمةٍ فعلية من قبل هذه الأحزاب الكوردية في بناء أي إدارةٍ، فيستخدمون مصطلح “الأمة الديموقراطية” عوضاً عن “الشعب الكوردي”، وهذا تجاوز للخط الأحمر، ليس من وجهة نظرنا كناشطين مستقلين فحسب، بل من  وجهة نظر سائر الأحزاب الوطنية الكوردية التي على عاتقها تقع مهمة فضح هذا التجاوز الخطير  والوقوف بقوة  ووحدة في وجه سياسة القائمين على هذه الإدارات الكارتونية، لا محاولة التودد إليها أو الانزلاق إلى شباكها التهديمية الناكرة لوجودنا، هذه السياسة التي تدفعنا إلى التصريح بصوتٍ عالٍ بشكوكنا حول هذا المخطط الإنكاري الكبير للوجود القومي لشعبنا.

إنكم يا أصحاب هذه الكانتونات الكارتونية باستخدام مصطلح “الوطن” تعنون بالتأكيد “سوريا”، وسوريا غير “كوردستان” التي هي “وطن الكورد” كما هو معروف في سائر أنحاء المعمورة، فلماذا لا يتم التوضيح هنا؟ وإن كان “الوطن” سوريا، فلماذا أرسلتم لعقدين من الزمن عشرات الألوف من شباب الكورد السوريين ليقاتلوا خارجها ضد تركيا أولاً ثم ضد إخوتكم الكورد في جنوب كوردستان ثانياً؟ وإن لم تكن لكم علاقة بكل ذلك، فلماذا لا تعلنون تبرئتكم عن الذين قاموا بذلك؟ وأعني حزب العمال الكوردستاني بالذات، بل إنكم لستم سوى متنفذين لما يتوصل إليه قادة هذا الحزب مع قيادات إيران وسوريا والعراق إلى اتفاقات، لا أكثر ولا أقل… وفي حال استدعاء أي واحدٍ منكم إلى قنديل التي هي خارج الوطن السوري وبعيدة عن مركز إدارتكم في مدينة عاموده، فلن يتجرأ على رفض الذهاب والخروج على الطاعة، لأنكم من صنع قنديل

لذا، فإن من واجب حركتنا الوطنية الكوردية، وأخص هنا أولئك الذين انجرفوا مع تيار “الكلاشينكوف” الداخل مع الأسف في خدمة أصحاب المشاريع المعادية لشعبنا، أولئك الذين كانوا يعتبرون أنفسهم حماةً للقضية القومية الكوردية  وكوردستانيين وثوريين و”يساريين” أن يكفوا عن تسميم شعبنا بهذه السياسة الخرقاء التي هدفها ليس تقطيع أوصال قضيتها فحسب، بل تفتيتها وتذويبها وصهرها في طنجرة “الأمة الديموقراطية” ذات الأهداف الخطيرة كما كانت الدعوة سابقاً إلى “الأممية البروليتارية” الفاشلة، وكل ذلك من أجل إبعاد كتلٍ  واسعة من شعبنا عن المشاركة الفعالة في كفاح حركتنا الوطنية الكوردية من أجل الحرية والديموقراطية على أساسٍ ثابتٍ وواضحٍ من العلاقات الأخوية بين هذه الحركة والمعارضة الوطنية  والديموقراطية السورية، وعلى أساس الاعتراف التام والصريح بوجود الشعب الكوردي  وحقه، حيث أن الأوضاع السورية تتطلب إيجاد حلٍ صحيح  وعملي  وواقعي يحقق الاتحاد الاختياري لمكوناته القومية والدينية، دون استثناء، وهو الاتحاد القائم على فكرة الإدارة اللامركزية المطبقة في العديد من بلدان العالم المتحضر   

أحزاب الكورد والبحث الدائم عن عدو

 

  14.04.14

أثناء فترة الحرب الباردة، كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تصرف مليارات الدولارات سنوياً على انتاج الأسلحة المختلفة وأجهزة التجسس، إضافة إلى تجنيد الإعلام وتدريب وارسال الجواسيس إلى العالم الشيوعي للقيام بالتخريبات والاغتيالات وتأليب المواطنين على الحكومات الشيوعية، بذريعة أن العالم الشيوعي هو (العدو رقم 1) للعالم الحر الديموقراطي، ولا يمكن التساهل معه أو التأخر  عنه في مجال امتلاك السلاح، ومن ضمنه السلاح النووي والكيميائي والجرثومي، على الرغم من أن العالمين المتخندقين في مواجهة بعضهما بعضاً قد تعاونا على دحر النازية الألمانية والفاشية الإيطالية و العسكريتاريا اليابانية في الحرب العالمية الثانية بشكل جيدـ وبما عاد على البشرية بمنافع، حيث انهارت الفلسفات العنصرية وتم إحلال سلام طويل الأمد على مساحاتٍ واسعة بين المعسكرين في العالم.  وبالتأكيد فإن النظم الشيوعية كانت تقوم بذات المساعي الهائلة وصرف مبالغ طائلة لاقتناء السلاح وامتلاك أسباب القوة، للقضاء على (العدو رقم 1) المتمثل بالإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوربيون. والمستفيدون من ترويج قصة (العدو الخطير والكبير) كانت على الدوام تلك المؤسسات المالية والصناعية الضخمة التي تنتج السلاح وتهيأ الجواسيس وتستولي على الإعلام، والخاسرون هم شعوب الأرض بلا شك

وعندما انهار النظام السوفييتي بأكمله ولم يعد هناك ذلك “البعبع!” الشيوعي، فقد جرى البحث والحديث عن (عدو رقم 1) جديد، فتم عن طريق تسخير الإعلام إيجاد هكذا عدو… والقصة معروفة وتثير العديد من الأسئلة والنقاشات، وهذا ليس موضوع كلامنا الآن.  والغريب أن هذه الدول المنتجة لأدوات القتل والفتك والتدمير تبيع أسلحتها للعدو الجديد الذي اكتشفته بعد سقوط الشيوعية وبكمياتٍ هائلة، بل تتنافس في ابرام العقود والصفقات معه، حسب آخر التقارير العالمية عن بيع السلاح في الأسواق الدولية الخاضعة لرقابة الحكومات، وليس أسواق السلاح غير المرخصة فقط.

هناك أحزاب سياسية، منها مع الأسف كوردية أيضاً، تعلم أنها إن لم تحرك جماهيرها يومياً بذريعةٍ من الذرائع، فإنها سترقد وستهمل واجباتها المتمثلة في الإبقاء على “جذوة النضال الشعبي!!!” متقدة، حيث أنها فشلت في اقناع هذه الجماهير بصحة أيديولوجيتها، مثلما فشلت في إظهار نفسها كقوة وحيدة، ثورية وطليعية، على درب الكفاح من أجل “حرية واستقلال” الشعب، مثلما ضعفت في اثبات قوتها “العملاقة” من خلال صناديق الانتخابات، لذلك فإنها تجد لنفسها أو للشعب دائماً (عدواً) تعتبره (العدو الأول) وتسخر للحرب عليه وسائل إعلامها وتحشد الجماهير ضده، وتستخدم سائر  وسائل التحقير  والإذلال والترهيب والتخوين وتبسيط الأمور و”توحيش العدو”، وهذا يعني أن ثمة خبراء في علم نفس الجماهير ضمن قيادة التنظيم أو  من وراء ستار… ومهمة هؤلاء هو تحريك الجماهير حتى لا تهدأ عاصفة “الثورة” ، وفي نفس الوقت يتم تعظيم الذات وتقديس القائد واعتبار  سياسة القيادة هي الأفضل والأحدث والأشد ثورية وبدون القائد والقيادة تقوم الساعة وتنهار المدنية وتنتهي حياة الشجر والبشر والحيوانات والنباتات، وسيضطرب توازن الكون… فلا حياة بدون القائد… بل لا يريد “الشعب” حريته بدون القائد

ولكن من أجل “توحيش العدو” يجب البدء بابتكار هذا العدو، ولا يهم أن يكون أخاً أو ابن عم أو مواطناً من مواطني الوطن، المهم أن لا تتوقف حركة الجماهير، حتى لا تكسل، وحتى لا تبخل على فائد الحزب بآيات التعظيم وعلى القيادة المقاتلة، الشجاعة، الذكية والتي لامثيل لها في الدنيا بالشباب وبالمال الذي تحتاج إليه للإبقاء على “الثورة!!!” وأي ثورة؟ 

لقد تم اختيار أحزابٍ وشخصياتٍ كوردية لزجهم في خانة (الأعداء الأشد عداءً للثورة الظافرة المنتصرة!!!)، وعليه يتم تحويلهم إلى أهدافٍ للهجوم، بشتى أنواع التهم وإطلاق صفات “شارونية” عليهم، في محاولة لتجنيد “الشعب كله” ضد (ظلم شارون وعدوانه وخيانته!!!)، وشارون في الحقيقة أحد أهم من خدم شعبه ودافع عنه… وهذه هي ذات الأساليب التي تستخدمها الدول والحكومات ضد معارضيها وضد بعضها بعضاً

وهذا يعني أن بعض السياسيين يتصرفون بميكيافيللية لضمان تسويق انتاجهم جماهيرياً، مستغلين ضعف الوعي السياسي لدى هذه الجماهير الشعبية وظروفها السيئة وطموحاتها في نيل الحرية واستعادة حقوقها المغتصبة… كما يعني أن بعض أصحاب المصالح الفئوية المتحزبين لا يتوانون عن ممارسة أشد الأساليب بؤساً وإضرام النار  في البيت الكوردي، تنفيذاً لأوامر إقليمية ساعية لعرقلة أي تفاعل حقيقي بين حركة شعبنا وحركة المعارضة الديموقراطية السورية والعراقية وللوصول إلى هدفهم المتمثل في تحريك الجماهير  يومياً وربطها بتنظيمهم  

المسألة مكشوفة للواعين… ولكن الذرائع اليومية الصغيرة المسخرة ل”توحيش العدو” ربما تلقي بعض الضباب على الهدف الأساسي، فينشغل المراقبون بالحديث عن تلك الذرائع والحجج وليس عن الهدف من وراء اختلاقها أو تعظيم شأنها في السياسة العملية