29 آذار، 2011
خرجت ملايين من السوريين، وبخاصة في المدينتين الأساسيتين دمشق وحلب، في مسيرات حاشدة أو محشودة، تأييداً للرئيس السوري الذي يخضع لضغوط داخلية وعربية ودولية، وتضامناً مع نظامٍ يتعرّض لأكبر محنة سياسية في تاريخه الطويل المليء بالعنف والذي سمته الأساسية الاستبداد بالشعب والاستفراد بالسلطة
لقد تابعت هذه المسيرات المسيّرة وتأملتها طويلاً من خلال عدسات التلفزيون السوري، الذي يبدو وكأنه كان محضَراً بشكل وافٍ وكافٍ لتغطية هذه التجمعات الكبيرة في شتى أنحاء البلاد بصورة دقيقة…فلاحظت عدة أشياء هامة
كل التظاهرات جاءت في يوم واحد
لم تكن هناك موانع أو عقبات من جانب الحكومة أمام التظاهرات
يبدو وكأنه ليس هناك مندسون أو عملاء لاسرائيل والامبريالية في أي تظاهرة
كل التظاهرات مزيّنة بآلاف وآلاف النسخ من صورة معيّنة للرئيس السوري
كل المسيرات تمت تحت شعار واحد ألا وهو – ألله سوريا وبشار وبس
كل اللافتات المرفوعة تبدو وكأنها منسوخة من بعضها بعضاً
:وهذا ما يطرح علينا سؤالين بسيطين، ألا وهما
– من الجهة التي دعت لهذه المسيرات الضخمة؟ إذ لا يعقل أن يكون هذا التنظيم وهذا الاعداد والتحضير من النواحي الاعلامية والفنية والتعبوية والسياسية دون منظّم. وحتى الآن لم تعلن أي جهة سياسية سورية عن نفسها كمنظّم للمسيرات أو كطالب لرخصة التظاهر، أو كدافع لمصاريف الصور واللافتات ونقل المحتشدين من الأرياف إلى المدن…و…و… والذي يزعم بأن هذا التنظيم الصارخ كله كان عفوياً، من الدعوة إلى المسيرات وإلى ترديد الهتافات ذاتها فإنه يستغبي الشعب السوري ويكذب على المراقب الدولي معاً
– إذا كان الرئيس السوري ونظامه بهذه القوة الشعبية حقيقة، فلماذا اندلعت الانتفاضات التي قمعها النظام بسفك الدماء في العديد من المدن السورية، وأضطر النظام على أثرها للاعلان عن هذه المسيرات المحددة بدقة فائقة؟ فإذا كان النظام واثقاً فعلاً من التأييد الكبير للشعب السوري لسياسته الاستبدادية، فلماذا الاعلان عن التخلي عن (قانون الطوارىء) الذي يعاني منه هذا الشعب منذ عام 1962، أي أن سوريين لهم من العمر (49) عاماً لم يعرفوا حياة سياسية خارج ظل هذا القانون المكروه عالمياً والذي يتعارض وحقوق الإنسان على هذا الكوكب الأرضي؟
كلنا يعلم بأن النظام يسعى لمساومات، من خلال الاتصال السري والعلني بقوى وشخصيات سورية معارضة، داخل البلاد وخارجها، بهدف تمييع انتفاضة الشعب السوري، وكلنا يعلم كيف تنظّم المسيرات السياسية في سوريا الأسد ومن قبل في سوريا البعث، حيث أن فروع هذا الحزب وتوابعه من أحزاب الجبهة الوطنية “التقدمية” ورئاسات النقابات ومدراء مختلف الدوائر الحكومية والمؤسسات، وكذلك مدراء المدارس والمخافر وقادة الثكنات العسكرية يفرضون على الحزبيين والنقابيين والطلاب والأطباء والمحامين والمهندسين والجنود وأفراد الشرطة المشاركة في المسيرات، وفق شعارات ولافتات واجراءات معينة، يعتبر الخروج عليها أوالتملّص منها “خيانة للقائد الأبدي” و”للثورة والقضية الفلسطينية”… فمن هو السوري الذي لم يجبر في حياته على المشاركة في هكذا مسيرات مدبّرة؟
لدينا معلومات تفيد بأن عربات محمّلة بصور “عظيم الشام” واللافتات الجاهزة دخلت شوارع مختلف المدن السورية ووزعتها على المواطنين مقابل مبالغ مالية، ويا ويل الرافض لشرائها من الأجهزة القمعية، والمبالغ المحصّلة نتيجة تلك النشاطات الحكومية لتسويق السياسة الأسدية وتلميع صورة هذا الرئيس الذي تلطخت يداه بدماء شعبه، بلغت الملايين من الليرات السورية… وبالمناسبة وصلتنا معلومات غير مؤكدة عن مشاركة هذا الرئيس في الادارة المالية للقناة تحت البحر بين انجلترا وفرنسا ب(7 مليارات دولار) عن طريق أحد أقاربه البارزين من رجال نظام أبيه
برأيي، هذه المسيرات محاولة يائسة لغسل دماء شهداء الانتفاضة السورية وتغطيتها بصور الرئيس الباسل الذي على يديه سيتم تحرير الأقصى في القريب العاجل (!)، وإنها بطاقة تذكير للأمريكان وحلفائهم بأن هذا النظام قادر على تسخين الشارع السوري ضدهم، ولكن الأساس والسبب المباشر في تسيير كل نقابات ودوائر ومدارس وثكنات البلاد في شوارع المدن هو ارهاب المعارضين والمتظاهرين والمحتجين المصممين على ازاحة هذا الرئيس وهذا النظام معاً
الرئيس السوري سيقدّم تنازلات في خطابه المتوقّع إلقاؤه اليوم أوغداً، ولذا لم تكن هناك خطابات لشخصيات “هامة!” في النظام لاستقبال هذه المسيرات، كما لم تكن هناك مطالب لهذه الجماهير سوى محاولة مسح المجزرة الدموية في درعا واللاذقية من أذهان السوريين، وبقدر ما يقدّم من تنازلات للشعب فإنه يحفر لنفسه ولنظامه حفرة الموت… وهذه جدلية تاريخية… النظم الاستبدادية تقتل نفسها بنفسها، سواءً إن استمرّت في طغيانها أو تراجعت عنه، لأن الشعب عندما يكسر حاجز الخوف فإنه لا يتوقّف عن السير صوب الهدف السامي، هدف اقتلاع الاستبداد من جذوره… وعندها لا تنفع هكذا مسيرات ولا هكذا حشد لصحافيين مأجورين ومرتزقة كالذين يثرثرون على القناة الرسمية في سوريا، ولا هكذا طوابير من عملاء النظام في الداخل السوري وفي العالم العربي وعلى صعيد المهاجر
:وبالإذن من المهووس الليبي المصاب بداء العظمة معمر القذافي نقول
لقد دقت ساعة العمل… إلى الأمام…إلى الأمام…إلى الأمام…ثورة …ثورة…ثورة